شركة عدن للأمن والسلامة

  

ثقافة وفن
اقرا ايضا

"كثرة الكتّاب ليست مرضا، ولكنها ثورة على صمت الذات" حوار"

عدن اليوم - فراس حج محمد في "لغتي الخالد" | السبت 12 أبريل 2014 12:02 صباحاً

استضافت مجموعة (لغتي الخالدة) على الفيس بوك الكاتب الفلسطيني فراس حج محمد ليلة 9/4/2014، لتحاوره عبر الفيس بوك في قضايا تهم الإبداع والأدب والنقد الأدبي، وقد شارك في الحوار بالإضافة إلى أ. بدوي الدقادوسي، و أ. فاطمة نزال، المشرفيْن على هذه المجموعة نخبة من الأساتذة والأدباء العرب، وهم: شمسة العنزي، ومصطفى عوض، ومحمد الدعفيس، ورفيعة بوذينة الزعفران، وندى محمد، وهشام فراش، والشاعر محمد متولي، والطيّب الوزاني، وخضر الماغوط، وأحمد سعيد، ونهلاء توفيق، وأحمد حسانين.

فاطمة نزال

أسعد الله مساءكم

ضيفنا اليوم عبر أثير مجموعتنا الخالدة ينثر عبق فلسطين .. سنستنشق رائحة ثراها المقدس وسيسري بنا براق حب المعرفة والتزود إلى رحابها لننهل من معين طاب له أن يعرج بنا في زوايا ذاكرته الزاخرة بالكثير ليغرف لنا ما استطاع جوابا على أسئلتكم ومداخلاتكم . ضيفنا اليوم الأستاذ فراس عمر حج محمد أهلًا بك معنا في هذه الأمسية.

بدوي الدقادوسي

السلام عليكم أيها الزملاء الكرام مرحبا برجل أحترمه ابن جليل لوطن جميل وغصن وارف ومونق لشجرة كلها مبدعين إنه فراس عمر حج محمد فمرحبا به وليعرفنا بنفسه شخصيا واجتماعيا

أ. هشام فراش

الأستاذ فراس شخصية تتميز بكثرة محبيها، ويبدو أن الحوار سيكون طويلا الليلة.

أ. فاطمة نزال

هل لك أن تعطينا نبذة عن نشأتك، حياتك الخاصة، وعن مشوارك التربوي والأدبي في سطور

شمسة العنزي

في البداية نريد تعريف بضيفنا سيرة ذاتية نتعرف عليه من خلالها

أشكركم جميعا على طيب الحفاوة وهذا التكريم، وهذه المقدمة التي أتحفتنا بها الأديبة المتميزة فاطمة نزال. وهذا الإطراء الذي قدمه زميلاي الكريمان بدوي وهشام.

سأقف عاجزا بكل تأكيد عن التعريف بنفسي، ليس تواضعا، بل لأنني لا أجد نفسي سوى ابن لكتاب كبار تربيت على موائد علمهم من عهد صاحبنا الجاحظ، وحتى آخر كاتب وصلت يدي لكتاباته، فما زلت أعتبر نفسي طالبا في محراب العلم والثقافة.

أ. أحمد حسانين

مرحبا بضيفنا العزيز... هل من الممكن أن توضح لنا ما الفرق بين الأدب الحديث والقديم مع تفاوت مدارسه؟

ثمة فروق أخ أحمد بين الأدبين القديم والحديث تتجاوز الفرق الزمني، ثمت فروق تتصل بالنفسية والمناخ العام للكاتب والقضايا والشكل الفني المتبع وأبجدية الكتابة، ولذلك يختلف الكتّاب فيما بينهم بهذه السمات وبهذه الأحوال، وعلى الرغم من ذلك فإن الأدب شرقيه وغربيه يتصل برباط وثيق له سمات مشتركة إنسانيا وإبداعيا مع فارق بأهم ملمح وهو الملمح العام المعروف بالمناخ العام للكاتب والعصر، أما تفاوت المدارس فقد عرف الأدب القديم مدارس أيضا، وليس الأمر مقتصرا على الأدب الحديث.

أحمد حسانين

لكن من ناحية الركاكة والهزل والأصولية يكون الفارق الشاسع.

الركاكة والهزل والأصولية كلها ملامح في الأدب وعبر عنها النقد قديما وحديثا، موجودة في كل أدب، فليس كل القديم جيدا، ثمة أدب قديم رديء جدا وثمة أدب حديث غني بأسلوبه ويومض ويوحي بفكرته أشد الإيماء.

أ. محمد الدعفيس

ليسمح لي الأستاذ فراس بعد الترحاب.. القوالب المعروفة كلها تتحطم اليوم بذرائع ذات صلة بالحديث عن التجديد والحداثة، حتى بتنا نتساءل فعلاً هل كل ما يكتب يمت إلى الأدب بصلة؟.. سؤالي: إلى أي حد يمكن أن نسمح للإبداع أن يحطم القواعد التي تكرست عبر الممارسة الأدبية الطويلة، وهل كل شذوذ عنها يمكن أن يصب في خانة الحداثة والتجديد؟!

أخي محمد سؤال وجيه جدا في ظل ما نشهده من تكاثر النصوص وادعاءات الريادة هنا وهناك، وقد لا تكون هذه الجعجعة ذات طائل، أو قد يسفر عن غبارها ما هو جديد فعلا، أنا مع الخروج عن كل قاعدة وتحطيم ما استقر من قواعد فنية؛ لأن المبدع الأول هو من وضعها وجاء المقلدون وتبعوا سنته فلم يأتوا بجديد، ولذلك وجب أن نجدد لنبدع، ولكن دون أن يكون الأمر تكلفا مقيتا اصطناعيا فجا، بل لا بد أن يكون ابنا طبيعيا لمناخه وشروطه، فأبو نواس عندما خرج عن القصيدة القديمة خرج لدواعي فكرية وعصرية وعندما ولدت الموشحات في الأندلس خرجت عن نظام القصيدة العربية، وكانت لدواعي فنية وفكرية وبيئية ومجتمعية كذلك، ولا بد من وجودها لمناخها العام والشيء نفسه يقال عن المقامات وغيرها من الفنون الأدبية التي أوجدتها الظروف التي تفاعلت بنفس مبدع أخرجها بفنية للوجود لتكون جنسا أدبيا.

أ. هشام فراس

أستاذ فراس تصورك الحالي للثورة الأدبية من خلال مواقع التواصل واحتلال الهواة جزءا كبيراً من المشهد والتوزيع القائم للصفحات بناء على التخصص.

الأستاذ هشام فراش، فلنترك المجال للجميع لكي يكتب، وما كان من الكتابة ذا عمر طويل سيعيش إذا كان يمتلك مبررات حياته الطبيعية. كثرة الكتّاب ليست مرضا، ولكنها ثورة على صمت الذات فلنكتب ولنتابع وليتحول كل أفراد الأمة إلى كتّاب، وما كان خيرا سيخلد وما كان زبدا ستجرفه سيول الزمن غير مأسوف عليه، لقد كشفت التكنولوجيا كثيرا من الكتاب وأعطتهم حيوية وألقا واكتشفوا أنفسهم قبل أن يكتشفهم غيرهم، هذا الفضاء مفتوح فليظل مفتوحا.

أ. الطيب الوزاني

الضيف الكريم فراس عمر حج محمد، بعد إذن المؤطرين للندوة، هل لك أن تعطينا لمحة عن تجربتك الإبداعية، كيف تراها؟ مراحلها؟ بماذا يمكن نعتها من وجهة نظركم؟

بدأت الكتابة منذ عشرين سنة، وكنت قبلها قد مارستها متعلما ومجربا، حتى غدا لي كثير من النصوص والكتب والمقالات، لا أستطيع تقييم تجربتي، وهل هي فعلا إبداعية، ولكنني أكتب لأن الكتابة فعل حضاري تغييري وثقافي ليس جميلا وحسب، ولكنه خطير أيضا.

كتب عني كتّاب كثيرون وتناول أعمالي نقاد وأدباء ربما مدحوني مرات، وربما انتقدوني، ولكنني أرى أن التحليل العلمي الشامل لما أنجزته لم يتم بعد.

ولو سألت نفسي هل أنا راض عن هذا المنجز؟ سأقول إنني مع تقدم العمر وتكاثر الكتابة وأوراقها واشتعال أفكارها أزداد قلقا وتوجسا.

أ. خضر الماغوط

 السلام على الجميع وأهلا بك أستاذ فراس عمر.. أنت مشرف تربوي في مجال التربية والتعليم، في فلسطين، ما هو الرابط وما هو الاختلاف بين المناهج والتعليم بشكل عام، في كل من القدس والضفة وغزة.

الأخ خضر الماغوط، شكرا لاهتمامك ومشاركتك... التعليم في فلسطين موحد بين الضفة الغربية وغزة، فبعد مجيء السلطة الوطنية توحدت المناهج والمقررات وأصبحت السياسة التربوية واحدة، وعلى الرغم من الانقسام الحالي المقيت بين السلطتين في رام وغزة إلا أن التعليم ما زال يتبع نفس التعليمات في المنطقتين، أما القدس فحدّث ولا حرج؛ ففيها كثير من المشاكل التعليمية، كلها تنطلق من كون التعليم في القدس يتوزع بين ثلاث سلطات (وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، ووزارة المعارف الإسرائيلية، والمدارس الخاصة) مع تدخل إسرائيل المباشر بوصفها سلطة احتلال في المقررات وحذفها لكثير من المواد من الكتب المقررة. باختصار وضع التعليم في القدس كارثي لا سيما إذا التقت مع هذه المشاكل الفنية مشاكل في البنية التحتية وعدم توفر المناخ المناسب للتعليم، ووجود مقرر مختلف للمدارس التي تشرف عليها وزارة المعارف الإسرائيلية.

أ. محمد متولي

بعد إذن الأستاذ بدوي والأستاذة فاطمة .. سؤالي للأستاذ فراس هل القضية الفلسطينية كانت عاملا رئيسا في رقي الأدب الفلسطيني وتفرعه إلى أفرع شتى أم أنه كباقي الآداب العربية؟ وما التغيرات التي أحدثتها القضية في أدبنا الفلسطيني ؟

لا أدري لماذا دائما يربط النقاد والدارسون الأدب العربي في فلسطين بالقضية الفلسطينية، لقد أنهكت القضية الفلسطينية الأدب كثيرا وجعلته أحيانا محصورا في أروقة محدودة جدا، وفرضت معجما لغويا يدور حول حقول دلالية معينة، وهذا باعتقادي أوقع صغار الكتاب بأزمة إبداعية؛ فظنوا أن تسلق سلم القضية السياسية سيجعلهم كتابا مشهورين، فكتبوا وكتبوا ولكنهم وقعوا في فخ التحجر والتصلب والمباشرة، فلم يكن لهم تأثير ولم يعمروا كثيرا ومنجزهم الإبداعي متواضع وهشّ، ومن اطلع على المنتوج الثقافي للأدب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى وتابع الأسماء التي أصدرت كتبا أو نشرت في الصحف حينها لم يعد يُرى منها الآن إلا العدد القليل والقليل جدا، فالعيب فيمن لم يفهم طبيعة المسألة السياسية الفلسطينية، وغاص في بحر الدم ولم يحسن التنفس بعمق في تلك المعمعة التي جعلته من طينة ما لا قيمة له في عالم الإبداع.

الشاعر محمد متولي

أستاذ فراس، كيف يستطيع المبتدئ في كتابة صنوف الأدب القصير كالقصة القصيرة والقصيرة جدا والومضة أن يستفيد من صفحات الشبكات العنكبوتية ومجموعات الأدب المتاحة على مواقع التواصل؟

الموهبة تقود صاحبها ويقودها، ترعاه ويرعاها، ولذلك فإن شبكات التواصل الاجتماعي منحت الجميع فرصة التعبير عن النفس بحرية. وكما قلت في حوارات سابقة، ليس المهم جنس ما تكتب، اكتب ولا تصنف، دع الآخرين يصنفوك ويقرأوك عليك فقط أن تبذل قصارى الجهد لتكتب بأسلوب رائق وفكرة جيدة، وتابع ولتصقل موهبتك وأدواتك بكل وسيلة متاحة، فالكتاب الكبار لم يعلمهم أحد، فقد كانوا أساتذة أنفسهم، تعلموا وأتقنوا بعد أن تنكبوا الطريق وزاغوا عن الجادة، ولكنهم عندما وجدوا أنفسهم أبدعوا، فكانوا الكتاب الكبار الذين يشار لهم بالبنان.

بدوي الدقادوسي

صديقي فراس أوافقك الرأي، ولكن نحن العرب على امتداد تاريخ الأدب العربي نملك الكثير من مؤرخي الأدب والقليل من النقاد، وتلك أزمة حقيقية فكيف نتجاوزها؟ باختصار الكل يكتب ولا يوجد من يزن ما يكتب فكيف أقيّم كتاباتي؟ هل (لايك) تكفي؟ وهل كلمة ثناء تكفي؟ وكيف أزن كتاباتي وهناك أزمة نقد حقيقية؟

كلامك وتوصيفك صحيح، ولكن علينا أن ننظر جيدا من الذي جعل المتنبي شاعرا عظيما، ومن الذي أعطى الجاحظ تميزه، ومن ذلك الناقد الذي أشهر العقاد وطه حسين، المبدع يقود الجميع له وينقادون لقلمه، وأفكاره يسحبهم إليه بقوته الناعمة وتأثيره السحري، لا ناقد يرقع مبدعا ولكن المبدع يخدم الناقد دوما، وهذه حقيقة كما أدعي تاريخية، فلا أكاد أشك فيها.

بدوي الدقادوسي

أخي فراس لحظة لو سمحت، عرضك السابق يحتاج لتوضيح؛ أنت تتكلم عن مرحلة متقدمة من عمر الكاتب، فالكاتب الكبير يكبّر الناقد بنقده، ولكن كل كاتب في بداية طريقه يحتاج لمن يرشده، فالخنساء كانت تفند شعر الكبار في الجاهلية ومجالس الأمراء كانت مجالس نقد لكبار الشعراء، ولذا نحن نحتاج لنقاد يرشدون، وأريد أن أستوضح هل الشللية والتعليق على نص الكاتب معيار حقيقي لمدى نجاحه؟

المسألة أخي بدوي ليست متعلقة بعمر الكاتب، كما أرى، ألم يكن المتنبي يوما ما في بداية طريقه؟ وكذلك المعري وأبو نواس وقبلهم كان عنترة وبعدهم الكتاب الكبار أجمعين، صحيح هناك من أثنى على ما كتبوه في بدايات بعضهم، كما وصلنا من روايات، ولكن ليس ذلك دائما كما أرى. أما الشللية والتعليق على النص، ربما كان من وجهة نظر المعلق نصا جميلا، وأعجب به وبذائقته الفنية وهذا لا يستطيع أحد التعليق عليه أو ذمه فالمسألة خاضعة للذوق العام وليس في مسألة الذوق الخاص للشخص معيار معين، ولذلك تجد أن نصا حاز تعليقات كثيرة وإعجابات، ونصوصا أخرى لا يلتفت إليها تماما مثل الشاعر أبي فراس الحمداني الذي ظلم كثيرا وهو شاعر كبير، ولم يلتفت إليه التفات الدارسين للمتنبي والمعري على سبيل المثال.

فاطمة نزال

أستاذ فراس مؤخراً شاركت في وضع أسس للمنهاج الفلسطيني إلكترونيا إلى أي مدى يمكن للتعليم الإلكتروني أن ينجح في مؤسساتنا التربوية، وخاصة أن جيل المربين لم يواكب هذه الطفرة التكنولوجية، إلا بشكل طفيف مقارنة مع الأجيال الصاعدة والتي هي في طور الشباب؟

التعليم الإلكتروني هو الآن خيار بين يدي المعلم، ولكنه سيغدو بعد حين لا مفر منه، لا بد من أن ينجح التعليم الإلكتروني لأن التكنولوجيا غزت البيوت والعقول فلا بد من أن يكون هناك توافق بين الحياة خارج المدرسة وداخلها، التعليم الإلكتروني حتمية لا بد منها، وسنصلها عاجلا أم آجلا كاستخدامنا البريد الإلكتروني؛ كم شخصا الآن يستخدم البريد العادي لإرسال رسائله؟ وكذلك ستجدين أن التعليم الإلكتروني محطة لا بد من الوصول إليها وعلى وزارات التربية والتعليم في وطننا العربي أن تستعد لذلك استعدادا شاملا فتؤهل المعلمين والمدارس لمثل هذا وفي إعداد البنية التحتية اللازمة.

أ. محمد الدعفيس

أعود من جديد لأسأل.. تسيد الشعر والرواية المشهد الأدبي عربياً.. ربما نحن أمة تعشق الشعر والحكاية.. هل ما زال لهما ذات الوهج مع تغير الظروف وسيادة عصر السرعة والنشر الإلكتروني الذي باتت المطالعة فيه مثل تناول "السندويتش" والوجبات السريعة؟

ما هو الأدب؟ إنه الشعر والنثر إنه الغناء والسرد إنه الحكاية كل الحكاية على الرغم من أشكالها، نحن أمة تحب الغناء والشعر أكثر، ربما ينافس النثر والسرديات الشعر ولكنه لم يتخلص من اللغة الشاعرية والوهج الشعري، فالعرب لا تترك الشعر إلا إذا تركت الإبل حنينها كما قيل، ولذلك سنظل سنكتب وتتوهج الحكاية ولن تخفت لهما بارقة ولن تنطفئ لهما شعلة، بل على العكس نطوع كل شيء ليحملهما عنا ويبلغ شوق قلوبنا وحنيننا الجارف لكل ما يشغل الفكر والروح.

أ. الطيب الوزاني

سيد فراس فهمت من مجموع الإجابات أن الادب يتطور وتأتي الطفرات إثر ظواهر اجتماعية وحاجة مرحلية. ولا يمكن الحديث عن نوع أدبي جديد أو ادعاء ابتكاره إلا بعد ترسخ تجربة أدبية جماعية خلال مدة زمنية ليست هينة.  فهل أنا محق في فهمي؟

أجدتَ إذ وضحتَ أستاذ الطيّب الوزاني هو فعلا كما ذكرت.

بدوي الدقادوسي

صديقي فراس شكرا لك، ولكن بما أنك ناقد، فما مقومات النص الجيد من خلال رؤيتك له؟

معايير الجودة والرداءة معايير متقلبة وغير ثابتة، وأعجبني مرة اعتراض أحد النقاد على الحكم القاطع بأن هذا العمل جيد أو رديء، فمن أنت أيها الناقد لتمنح النص شهادته تلك، ولذلك وجد النقد البنيوي والسيميائي ليحلل النص وبنيته اللفظية بعيدا عن الأحكام القاطعة، وتأسيسا على ذلك لا معايير للنص الجيد عندي سوى أن مؤثر فيّ شخصيا، وما لا يتوافق مع ذائقتي لا أحفل به ولا أذمه أيضا، هناك من يوافقه هذا النص، فلكل منا ما يروقه ويعجبه.

أ. نهلاء توفيق

أعتذر جدا عن التأخير للمشاركة بهذه الأمسية الرائعة، وأحيي الأستاذ فراس والأستاذ بدوي، والأخت فاطمة على تبني هذا الحوار الرائع، والممتع، ولتسمحوا لي بهذه المداخلة في هذا الموضوع:

ما يدل على إنه من الخطأ بناء نظرتنا حول جودة النص ورداءته، بالاعتماد على تقييم ناقد، أننا نجد الكثير من التفاوت بين تحكيم النقاد خلال المسابقات القصصية التي تتبناها المجموعات القصصية، وفي بعض الأحيان يعطي ناقد كبير لنص 10، وبينما ناقد آخر لا يقل عنه أهيمة، يعطي لنفس النص علامة متدنية لا تتجاوز (5).

شكرا لمداخلتك أ. نهلاء توفيق لا معايير لجودة النص أو رداءته، فما قدمته مثال حيّ على ما أذهب إليه.

أ. الطيب الوزاني

المشتغلين بالقصة القصيرة جدا وبالومضة ما زالوا أحيانا لا يجدون حدودا بين هذين الصنفين. سؤالي: كيف السبيل للتمييز بين الصنفين بشكل نهائي؟ وهل هما حقا صنفان متمايزان في نظرك؟

التمييز بين النوعين غير نهائي، فالقصة الومضة كما أرى هي من صنف القصة القصيرة جدا، ولكنها أكثر تكثيفا وتبئيرا وارتكازا حول فكرة أشمل، ولغتها محبوكة ومصوغة كأنها الرصاصة، كما وصفها أحد الدارسين، وعليه أقول كل ومضة هي قصة قصيرة جدا، ولكن ليس شرطا أن كل ق ق ج هي ومضة.

أ. مصطفى عوض

السلام عليكم، مرحباً بأستاذنا المبدع، والناقد الجميل فراس عمر، تحياتي لأساتذتي الكبار المشاركين في الحوار، خالص التحايا للأستاذ بدوي الدقادوسي، والأستاذة فاطمة نزال، مودتي لكم جميعاً، وسؤالي للأستاذ فراس، هل الفن رسالة؟ هل الفنان ضمير مجتمعه كما يقولون؟ هل يلعب دور الواعظ؟ أو المصلح؟ وما العلاقة بين المبدع والنبي؟ أقصد تلك القدرة الهائلة لدى المبدع على استشراف المستقبل بما يحمله من شفافية، وسمو روحي، وبعد رؤيوي للكون والحياة والأشياء يميزه عن الآخرين؟

لم يكن الفن في يوم من الأيام خاليا من حمل رسالة ما، ولكن الأديب ليس نبيا وليس واعظا ولا مصلحا اجتماعيا، هو أديب يحافظ على مناخ الأمة الإبداعي، ويحمل همومها بشكل فكري وأدبي ناضج بعيدا عن لغة النصائح المباشرة، قد يتجرد في المعاني ليصبح فيلسوفا، وقد يستشرف ليكون شبه نبي ولكنه هو الأديب الذي يحرس القيم من وجهة نظر إبداعية وفنية.

بدوي الدقادوسي

صفحتك التي أفردتها لنشر ما يروق لك من كتابات الأصدقاء وما تكتبه أنت نالت في سنة متابعين قلة مقارنة بصفحات العري وما شابه ذلك، وقد شكوت أنت من قلة المتابعين ذات مرة. فهل نحن شعوب فعلا لا تقرأ؟ وما مصدر الخلل لو كنا أمة اقرأ ولا نقرأ، وأرجو أن تجيب كرجل تربوي لا ككاتب.

المسألة شائكة أستاذ بدوي، قلة المعجبين بالصفحة لا تعني عدم القراءة، ثمة أمر لا بد من الالتفات له وأنا ألاحظه، هناك تسجيل لعدد مشاهدات النص يفوق أحيانا عدد المعجبين بالصفحة من أين أتوا هؤلاء، لا تسألني لا أدري فلست خبيرا، ولكنها تعدّ مؤشرا أن من شاهد قرأ ولو العنوان وتعرّف على الكاتب والمكتوب، وهناك مشاركات تجاوز عدد من شاهدها الألف مشاهد، هي مؤشر ولكن ما مدى الدقة لا أدري. أمر آخر نحن أمة اقرأ ونقرأ فعلا، دائما أفاجأ في محاقل كثيرة من طلاب المدارس ومن المعلمين والزملاء التربويين ممن ألتقي بهم لأول مرة وأعرّف بنفسي، يتفاجئون أنني أنا ذلك الشخص الذي يكتب وينشر، وتوطدت كثير من العلاقات نتيجة ذلك، فنحن أمة تقرأ وتقرأ وتقرأ كما ألاحظ وأرى.

رفيعة بوذينة زعفران

مساء التألق والإبداع للجميع, ولو أن السيد فراس لم يتفضل بتعليق ولا بتحليل لما كتبتُ وأكتب، أجده أنا من أروع المحللين العرب.. سؤالي هو التالي سيد فراس لمَ نجد تفاوتا واختلافا بين النقاد حول النص الواحد؟ وسؤالي الثاني: ألا تر أن ال ق ق ج لا تسمن ولا تغني من جوع؟ قد يشتد بريقها لفترة لتستعيد القصة بالمفهوم المتداول قيمتها ومكانتها عند القارىء؟

أهلا بحضرتك أستاذة رفيعة، وشكرا على الإطراء متجاوزا عتبك عليّ بعدم التحليل لأدخل في إجابة السؤال الأول:

الاختلاف بين النقاد طبيعي جدا وذلك لاختلاف في الذائقة والمزاج والنفسية واختلاف في مصادر الثقافة، وعليه فإن الناقد يحكم بناء على ما لديه من مقومات وبناء على كيفية ما تشكل لديه من رؤى وأفكار.

أما السؤال حول القصة القصيرة جدا، هي فن أدبي وليد حديث النشأة، فلنعطها فرصتها لعلها تثبت نفسها، وإن لم تجد مناخا مناسبا سترحل كما رحل غيرها من الفنون، على الرغم من أنني أرى أن المناخ النفسي والتكنولوجي وطبيعة العصر كلها دواع حقيقية لكتابتها والاستمرار فيها.

مصطفى عوض

باختصار طبعاً، منذ مدة وأنا يؤرقني هاجس، لماذا نكتب؟ حقيقةً أرى حولي منشورات في مجموعات يفترض أنها متخصصة في الأدب، تحت مسمى القصة والومضة وغيرهما، وهي ليست أكثر من هراء!! يثير الغثيان فعلاً، ما هكذا تورد الإبل بصراحة.

في أدب أي أمة ثمة هراء وأشياء قد تثير الغثيان لكن لا عليك، فأما الزبد فيذهب جفاء، وسيبقى ما يستحق الخلود خالدا أبدا.

أ. أحمد سعيد

أستاذ فراس سؤالى الوحيد هو أريد رأيك بكل صراحة فى أناس يضعون بجانب صورهم  ألقابا رنانة مثل: الأديب والشاعر والمفكر والخ، وهم بعيدون كل البعد عن أبسط قواعد اللغة العربية.

الألقاب هذه لا يمنحها الشخص لنفسه، هي تمنح له بعد صراع مرير مع مراس الكتابة، ولا يحصلها المرء بسهولة، ثمة غرور يسكن في نفوس الصغار فيتلهون بالألقاب أما العظماء فلهم أسماؤهم فتكفيهم، وأهم شروط لصنعة الكتابة إجادة قواعد اللغة التي تكتب فيها أما إذا كتب الشخص وهو لا يعرف نحو اللغة من صرفها سيقع في إشكاليات لا حصر لها ولا عد، وعليه أن يعود ليتعلم من جديد ولا غضاضة ولا ضير في تعلمه من جديد إن أراد أن يمارس هذه الغواية المسماة الكتابة.

ندى محمد

 أ. أحمد سعيد البعض بل الأغلب أصبح الآن يلقب نفسه من نفسه، فنرى الشاعر والأديب والروائي والناقد بينما لا علاقة للاسم بالمسمى من أي جانب ومن هنا يتم التعامل مع الآخر بناء على ما يريد وليس كما ينبغي أن يكون باستحقاق وجدارة. لكن ليس في غياب عن إدراكنا لماهيته بل سخريته من إفراطه بالهالة التي يحيط بها نفسه إلى جانب هذا الأمر، هناك آخرون نخاطبهم بالأستاذية احتراما لفكرهم أو سنهم أو تواضعهم، وبعد هذه المداخلة اسمحوا لي أن أسأل هذا السؤال

هل أنت راض أستاذ فراس عن وجودك في نواصي المجموعات؟ هل تحس أنك تقدم نقدا بناء بموضوعية ودون حواجز؟ هل أنت منوط بالإدلاء برأيك كناقد دارس حتى لذوي النفوذ التنشيئي لأرباب المجموعات أم أنك تواجه ثقلا أو أصفادا حيال الكلمة الحقيقية بغض النظر عن صاحب النص؟ وشكرا لك إن تفضلتَ بالرد.

أفضل ما في عالم الفضاء الإلكتروني يا أستاذة ندى أنه مفتوح، الداخلون إليه قلما يتركون أثرا، انضممت إلى كثير من المجموعات، ولكنني لم أمارس النقد إلا قليلا ليس خوفا ولا هروبا، ربما لأن النقد بحاجة إلى تأمل، كتبت نقدا في كتاب مبتدئين وتجاوزت عن كتاب (كبار) ليس إلا لأن النص يستحق، لم أكن يوما أحبّ الانضواء تحت هذه المجموعة أو تلك، النقد عندي متعة في التحليل والقراءة وفك اللغز ليس أكثر وهذا ما يعنيني في العملية النقدية برمتها.

أ. نهلاء توفيق

منذ الصغر وأنا أكتب القصة القصيرة وأحبها كثيرا، والآن عشقت الققج، ولكني رأيت أنه ما زال التألق للقصة القصيرة، مع العلم أن كتابة الققج أصعب بكثير، فهل أن القصة القصيرة فن أرقى من الققج أم لا؟

في الفنون عامة لا مفاضلة ليس هناك فن أرقى من فن، وما معنى الرقي؟ أرى أن الفنون كلها حوامل فكرة لا بد من أن تخرج، كنت أعتقد أن القصة القصيرة قد ماتت وكتب في ذلك نقاد، فإذا بها تعود إلى دائرة الضوء بجانب ابنتيها الومضة والققج.

أ. مصطفى عوض

قرأت مداخلتك عن الققج كونها ما زالت في مرحلة التجريب، وفهمت من كلامك أنها ما زالت غضة، لم تستو على سوقها بعد، لكن ألا تعتقد أن الققج قد تجاوزت تلك المرحلة بالفعل، وأنها نضجت بنيوياً وفنياً تماماً، وأصبحت جنساً أدبياً مستقلاً له خصوصيته، ولديه مبدعوه، ومنظروه، وقراؤه المتابعون؟

كل الفنون خاضعة للزمن رسوخا وحياة أو موتا واندثارا كانت المقامة فنا بديعا رائقا ولكن من يكتبها الآن؟ كل الفنون في مرحلة التجريب ليس هناك فن قد استوى على سوقه لأن الاكتمال يعني بداية النهاية (لكل شيء إذا ما تم نقصان) الشعراء يجربون منذ الجاهلية وحتى الآن لو وجدت القصيدة المثالية لما كتب الشعراء بعدها والشيء نفسه يقال عن بقية الفنون.

ندى محمد

العملية النقدية أ. فراس علم قائم بذاته فكيف نتجاوز ما هو في حاجة إلى تقويم أو الزج بما لا يليق في سلة النفايات؟ هنا استميحك العذر فليس كل كاتب يدعى كبيرا في غنى عن النقد وإلا ما كان حصول الكاتب الكبير العربي نجيب محفوظ بعيدا عن أية حزازات، ولا نقط تكريم من أجل التكريم، بل كان عصارة أعوام طويلة من العطاء المتواصل القوي والمتين.. أعيد أن للناقد دور التقويم وبإلحاح أقول آسفة: إن كنت لحوحة فربي يحب العبد الملحاح.

حقيقة لا أختلف مع ما تطرح الأستاذة ندى، ولكن العملية النقدية ليست سهلة وتحتاج لكثير من الأدوات تفوق أدوات المبدع ذاته وخبرته ومعارفه بحكم اتصاله مع فلسفة الفنون وتعددها، ولا بد من أن تكون أوسع وهنا أكرر أن العمل النقدي والتقاطاته للنصوص المقروءة صعبة ضمن هذا الكم الهائل من النصوص، فقد تضيع نصوص بين الركام تستحق الإشادة والثناء، ولكنها محاصرة ومحصورة في كومة من هزال اللغة.

أ. الطيب الوزاني

أستاذ فراس عن مسالة النقد. كيف يمكن استعمال قوالب ومقولات نقدية غربية لتقييم نص عربي؟ بل إن عددا كبيرا من النقاد يميل إلى إرهاق القارئ باستعمال مصطلحات نقدية منسوبة لأسماء غربية لنقاد من مختلف الثقافات (لأن الغرب ذاته ثقافات متعددة) ويتشدقون بها. هل هذا سلوك موضوعي؟ أو ليس هذا من قبيل الحكم على لغة بقواعد لغوية للغة مختلفة؟ أليس للوعاء التعبيري خصوصيات تؤخذ بعين الاعتبار لدى الناقد عند تحليله لنص بلغة ما؟

لا ضير في استخدام النقد من أي ثقافة كانت فالإبداع جذوره متصلة، وإن تباعدت الفروع تبقى الإنسانية وعاء شاملة، فالبنيوية والتفكيكية غربيتا المنشأ لكنهما أتيتا بقواعد عامة يستطيع الناقد العربي الاستفادة منهما في تحليل النص هناك بعض المخاوف ولكنها بالوعي والعقل والتوطين السليم للمناهج النقدية نستطيع أن نتفاعل مع غيرنا، فالنقد أبعد من اتكائه على قواعد لغوية فقط.

ندى محمد

نحن عرب دكتور الطيب وعلينا الالتزام بضوابط مجتمعاتنا سواء منها الأخلاقية أو القواعدية لنصوصنا وإبداعاتنا، فلو أسقطنا ضوابط غربية تفوقنا بقرون من التقدم لبدت كتاباتنا مخالفة لمعاني الكتابة تماما، ثم كيف نكتب بلغة لها أسسها ونحكم عليها من خلال لغة أخرى لها حيثياتها المتباعدة؟ هذا أمر غير لائق، لذلك يتم اللجوء إلى الترجمة قبل الخضوع للعملية النقدية.

أ. الطيب الوزاني

الأستاذة ندى، سؤالي جاء من التجربة التي عشتها مرارا عند حضور لقاءات تقديم الإصدارات، فنجد نقادا عديدين يستعملون مصطلحات نقدية لنقاد ألمان وفرنسيين وإنجليز، ومن خلالها يقيمون العمل الإبداعي العربي. وكنت دائما أتساءل. أليس هناك غلط ما، طبعا أنا لست متخصص نقد، لكن لي رؤيتي للأشياء.

بدوي الدقادوسي

صديقي الغالي فراس كنت أحمل الكثير من الأسئلة ولكن نكتفي بهذا القدر على أن تعدنا بلقاء آخر.

فاطمة نزال

وتبقى الأسئلة مطروحة وتتعدد الإجابات طالما هناك حوار مفتوح... أخيراً لا يسعنا إلا أن نشكر ضيفنا العزيز فراس عمر حج محمد على إتاحة هذه الفرصة لنا لاستضافته مع علمنا بوقته الذي استنزفناه منذ أكثر من ثلاث ساعات، وكل الشكر للسادة المشاركين تحية لكل من تابعنا عن بعد أو بمداخلة، وسامحونا على التقصير.

الشكر كل الشكر لكم جميعا على هذا اللقاء، سعدت بكرم استضافتكم وحفاوتكم بي، شكرا لمجموعة (لغتي الخالدة) وللقائمين عليها الأستاذ بدوي الدقادوسي والأستاذة فاطمة نزال، أسعدتني مشاركة الجميع، على أمل أن نلتقي أصدقاء محبين دوما ونكرس جهدنا لخدمة أدبنا العربي الذي هو وجه من وجوه حضارتنا الزاخرة ومعلم من معالم ثقافتنا العربية الضاربة الجذور في أعماق التاريخ، لكم مني كل المنى.